هل يمكن التعويض عن ولادة معوق نتيجة خطأ طبي؟ – استشارات قانونية مجانية
هل يمكن التعويض عن ولادة معوّق بنتيجة خطأ طبي ؟
التعويض عن ولادة معوّق بنتيجة خطأ طبي في الاجتهاد الفرنسي
صدر بتاريخ 17/11/2000 عن الهيئة العامة لمحكمة النقض الفرنسية قرار يعرف بقرار بيريش L’arrêt Perruche نسبة إلى ولد يدعى نقولا بيريش ، مؤداه أنه يحق لمن ولد معوَّقاً أن يحصل على تعويض إذا كانت أمه حرمت أثناء الحمل من الإجهاض بنتيجة خطأ طبي .
وخلاصة الوقائع أن امرأة أصيبت في بداية الحمل بمرض عضال من الأمراض القابلة للعدوى ، التي تؤدي إلى نتائج خطيرة عند عدم توفر مناعة كافية لدى المصابة. فاستشارت طبيباً وأجرت تحليلاً مخبرياً . وكان من رأي الطبيب والمخبر أنه لا خطر على الحمل ولا يوجد مبرر قانوني للإجهاض . وتبين خطأ هذا الرأي ، إذ أنجبت المصابة ابناً معوقاً ترجع عاهته إلى ذلك المرض بالذات . فأقام الوالدان الدعوى على الطبيب والمخبر مطالبين بالتعويض عما أصابهما شخصياً من ضرر ، وكذلك عما أصاب ابنهما نقولا من عاهة . وحكمت محاكم الموضوع بالتعويض عن ضرر الوالدين ، ورفضت طلب التعويض الخاص بالابن تأسيساً على أنه لا توجد علاقة سببية بين عاهة الابن والخطأ الطبي ، وإنما نشأت العاهة عن المرض ذاته ، وليس للابن أن يستند إلى قرار والديه حول إجراء أو عدم إجراء عملية إجهاض .
ونقضت محكمة النقض هذا الحكم ، مبدية أن من قواعد المسؤولية ، تعاقدية كانت أو تقصيرية ، أن من ارتكب خطأ يكون مسؤولاً عن التعويض ، ليس فقط بسبب ما ألحقه من ضرر ، وإنما أيضاً بسبب عدم منعه وقوع الضرر طالما أنه كان بوسعه أن يحول دون وقوعه . واستشهدت المحكمة في هذا المجال باجتهاد اعتبر بموجبه أحد المشافي مسؤولاً عن التعويض بسبب عدم اتخاذ الحيطة الكافية للحيلولة دون انتحار مريض كان يستشفي فيه .
ولما كانت العلاقة التعاقدية بين الأم الحامل من جهة والطبيب والمخبر من جهة ثانية ، تضع على عاتقهما إسداء المشورة الطبية الصحيحة التي تتيح للأم ممارسة حقها بالإجهاض عند وجود خطر على سلامة حملها ، فإن المشورة الخاطئة الصادرة عنهما حالت دون الإجهاض الذي يجيزه القانون، وأدت بالتالي إلى ولادة الابن المعوّق . ومن المقرر بقواعد المسؤولية أنه يحق لمن كان من أشخاص الغير بالنسبة لعقد معين ولحقه ضرر من جراء تنفيذ ذلك العقد ، أن يطالب بالتعويض الطرف المتعاقد المسؤول ، بقطع النظر عن موقف الطرف المتعاقد الآخر .
وتساءلت محكمة النقض في معرض هذا التعليل عما إذا كان يجوز لشخص أن يطالب بتعويض يرجع إلى خطأ لولا وقوعه لما كان ذلك الشخص ولد ورأى النور أصلاً ، ولما كان بالتالي فتح المجال له للمطالبة بتعويض .
غير أن المحكمة أخذت بالاعتبار أن الكرامة الإنسانية التي يتساوى فيها من كان معوّقاً مع من كان سليماً من البشر ، تستدعي إقرار أحقية الولد المعوّق بالتعويض لكي يتحقق فعلاً مبدأ احترام حقوق الإنسان ولا يظل نظرياً .
وشرحت محكمة النقض في تقريرها السنوي أن الولد لا يحصل في هذه الحالة على التعويض لأنه ولد ، فالتعويض ليس عن الولادة ، وإنما عن الضرر الناشئ عن العاهة . وللولد حق خاص بتعويض يتيح له أن يعيش بشروط تتوافق مع الكرامة الإنسانية بالرغم مما هو عليه من عاهة . وإذا اكتفى القضاء بالحكم للوالدين فقط بالتعويض عما أصابهما من ضرر (نفقات معالجة إضافية – تعطيل أعمالهما المعتادة بسبب الاهتمام بالمعالجة – تبديل نمط حياتهما الزوجية إلخ …) فإنه يخشى أن يهدر مستقبل الولد في حالة وفاة الوالدين أو أحدهما ، أو وقوع الطلاق بينهما .
وعلى هذا الأساس حكم أيضاً لامرأة شابة أنجبت – وهي في مرحلة الدراسة الجامعية – ابناً قصير الساقين ، مفتول العينين . وكان الطبيب المختص أفادها أثناء الحمل بأن المولود سيكون طبيعياً ، وبذلك حرمها من ممارسة حق الخيار القانوني بين الإجهاض وعدمه . وأدت الولادة على هذا الشكل أن انصرفت أمه عن إكمال تحصيلها العلمي ، وانفصل عنها زوجها ، ولم تستمر الحياة الزوجية طويلاً مع من تزوجت به بعده بسبب وجود الابن المعوّق … وحكمت لها محكمة البداية بمبلغ 75.000 فرنك فرنسي فقط كتعويض عن الضرر المعنوي . إلا أن محكمة الاستئناف عدّلت الحكم بحيث أصبح التعويض 100.000 فرنك فرنسي عن الضرر المادي الذي لحق بها شخصياً و 650.000 فرنك عن الضرر اللاحق بابنها . وقررت محكمة النقض زيادة التعويض ليشمل كافة الأضرار.
وأثار هذا الاجتهاد ضجة في الأوساط الطبية التي خشيت أن يفتح باب الملاحقة القضائية على مصراعيه للمطالبة بتعويض عن أية شائبة في جسم المولود ، مهما كانت بسيطة ، على الرغم من أن محكمة النقض بدّدت نوعاً هذا الخوف في أحكام أخرى ، أوضحت فيها أن التزام الطبيب هو التزام بالوسيلة ، لا بالنتيجة . والالتزام بالوسيلة يعني أنه يتوجب على الطبيب أن يمارس عمله وفقاً للقواعد الفنية ، وأن يتجنب الأخطاء المهنية ، وأن يعرب صراحة عن عدم المعرفة إذا كان غير متيقن من الرد على ما يطلب منه .
واهتمت السلطة التشريعية بالأمر ، وبادرت اللجنة المختصة في المجلس التشريعي الفرنسي لبحث مشروع قانون يوازن بين واجبات ومصالح سائر الأطراف، فيوفر للولد المعوّق حماية كافية -كان محروماً منها قبل اجتهاد بيريش- ويبقي على مسؤولية الطبيب التي تشكل ضمانة للمعالجة ، ولكنه يتيح للطب ألا يتعثر في تطوره وممارسة فعالياته ، كما يحول دون زيادة أعباء الطبيب بفعل ما تفرضه شركات التأمين من بدلات للتأمين ضد مخاطر ممارسة مهنة الطب .
ويقرر مشروع القانون بوجه خاص القواعد التالية:
1 – ليس لأي شخص أن يطالب بالتعويض بفعل ولادته فحسب ، أي لمجرد أنه ولد معوقاً .
2 – يحق لمن ولد معوقاً بسبب خطأ طبي أن يحصل على تعويض إذا كان الخطأ أدى مباشرة إلى عاهة، أو زاد فيها ، أو حال دون اتخاذ الحيطة الكافية للتخفيف منها . ومن المشروط أن تكون العلاقة السببية بين الخطأ والضرر « مباشرة » .
3 – لا يجوز لمن ولد معوقاً أن يطالب بالتعويض، إذا كان الخطأ يرجع إلى عدم صحة التشخيص الجاري قبل الولادة – كما هو الحال في قضية بيريش. وإنما يحق في هذه الحالة للوالدين فقط اللذين أنجبا ولدا ً معوقاً ، مساءلة الطبيب أو المؤسسة الطبية عن عاهة ولدهما ، إذا كانت تلك العاهة لم تكتشف أثناء الحمل بسبب خطأ طبي واضح ، وأن يطالبا بتعويض للولد يعادل الأعباء الناجمة عن عاهته طيلة حياته ، محسوماً منه ما يناله من تعويضات مختلفة وتأمينات اجتماعيــة . ولا يحق لمؤسســـات الضمــان الاجتمـاعي الرجوع على المسؤول عن الخطأ لاستيفاء ما تحملته من تعويضات في هذا الخصوص .
4 – يطبق القانون على القضايا العالقة ، باستثناء ما تم تقريره بحكم اكتسب الدرجة القطعية .
ومن المتوقع أن يصدر القانون قريباً بناء على هذه المبادئ ، فيضع ضوابط للتعويض عن ولادة المعوّق ، تحدّ مما ذهب إليه الاجتهاد القضائي الحديث ، ولكنها تأخذ بالاعتبار مصالح الأطراف جميعاً .
رأي الذكاء الاصطناعي في موضوع “التعويض عن ولادة معوّق بنتيجة خطأ طبي” يمكن أن يتمحور حول عدد من النقاط المهمة التي تبرز تعقيدات هذا النوع من القضايا القانونية والطبية.
في البداية، يُعد قرار محكمة النقض الفرنسية في قضية بيريش نقطة تحول هامة في التعاطي مع قضايا التعويض عن الأضرار الناتجة عن الأخطاء الطبية. حيث يفتح هذا القرار الباب أمام الاعتراف بحقوق الطفل المعوّق في الحصول على تعويض عن الضرر الناشئ عن العاهة التي يعاني منها، مما يعزز من مبدأ المسؤولية الطبية تجاه المرضى.
النقطة الجوهرية في هذا القرار هي التوازن بين حقوق الأفراد المتضررين (الطفل ووالديه) وبين الحاجة إلى عدم تحميل الأطباء مسؤوليات غير واقعية تتعلق بنتائج الحمل. الاعتراف بأن الالتزام الطبي هو التزام بالوسيلة وليس بالنتيجة يبرز أهمية ضمان أن الأطباء يعملون ضمن المعايير الفنية المقبولة دون تحميلهم المسؤولية عن نتائج غير متوقعة.
من ناحية أخرى، يبرز القرار أيضًا المخاوف المتعلقة بتأثير هذه الأحكام على الممارسات الطبية. فتح المجال لمثل هذه الدعاوى قد يؤدي إلى زيادة في تكاليف التأمين ضد الأخطاء الطبية، وربما يجعل بعض الأطباء يتجنبون التعامل مع الحالات الصعبة خوفًا من الملاحقة القانونية.
فيما يتعلق بمشروع القانون الفرنسي الذي يهدف إلى وضع ضوابط جديدة لهذه القضايا، يبدو أنه يسعى إلى إيجاد توازن بين حماية حقوق الطفل المعوّق وضمان عدم تحميل الأطباء أعباء غير مبررة. تحديد العلاقة السببية المباشرة بين الخطأ الطبي والعاهة كشرط للحصول على التعويض، يمثل خطوة نحو تقنين التعويضات بشكل أكثر عدالة ويحد من المخاطر القانونية غير المتوقعة.
ختامًا، يتفق الذكاء الاصطناعي على أن هذه القضية تعكس تعقيدات كبيرة بين القانون والطب، وأن التوازن بين حماية حقوق الأفراد وضمان ممارسات طبية آمنة وفعالة هو أمر بالغ الأهمية. من المهم أن يتم تطوير القوانين والسياسات بما يحقق هذا التوازن ويحمي جميع الأطراف المعنية.
اكتشاف المزيد من استشارات اون لاين
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.